فصل: مسألة دفع إليهما المال قراضا على غير شرط فعملا فيه جميعا ثم اختلفا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة أخذ المال قراضا يعمل به ثم أخذ منه رب المال ماله وللعامل ثياب يلبسها:

وسئل سحنون: عن الرجل إذا أخذ المال قراضا يعمل به ثم أخذ منه رب المال ماله وللعامل ثياب يلبسها كان اشتراها لسفره من مال القراض هل يكون لرب المال أن يأخذ منه الثياب التي كان يلبس العامل؟ قال: إذا كانت ثيابا لها قدرٌ وبالٌ فإِنها ترد وتباع ويدخل ثمنها في جملة مال القراض، وإن كانت ثيابا خَلِقَة تافهة ليس لها قدر تركت للعامل كما قال مالك في القِرْبَةِ والحبل والشيء الخفيف.
قال محمد بن رشد: هذا نحو ما مضى في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم ونحوُ ما في الموطأ، وهو مما لا اختلاف فيه احفظه وبالله التوفيق.

.مسألة المقارض يسلب هل يكتسي من مال القراض:

وسئل سحنون: عن المقارض يُسْلَبُ هل يكتسي من مال القراض؟ قال: نعم.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأنه إذا كان من حقه أن يكتسي في سفره من مال القراض إذ فرق بين الأولى والثانية وبالله التوفيق.

.مسألة اشترى النصرانِي بالمال خمرا فأسلم رب المال والخمر قائمة في يد المقارض:

وسئل سحنون عن نَصْرَانِي دفع إلى نصرَانِي مالا قراضا فاشترى النصرانِي بذلك المال خمرا فأسلم ربُّ المال والخمر قائمة في يد المقارَض لم تبَع وهي حين أَسْلَمَ رب المال في ثمنها ربح أَوْ لَا ربح فيها، والعاملُ يقول: خذ خمرك ورب المال يقول: إِنَّمَا قارضتك بمال ولم أقارضك بخمر فأدفع إِليَ مالي، وكيف إن قال رب المال: أدفع إلى هذا الخمر يكسرها فإنه لا يَحِلُّ لي ملكها، فقال الآخر: لا، أدفع إليك فيذهب ربحي!! أو قال: أنا أنتظر بها الأسواق؟ قال سحنون: هي مصيبة وقعت على رب المال، وينظر إلى قدر فضل النصراني فيها فيعطى منها ويهراق ما صار للمسلم.
قال محمد بن رشد: قولُ سحنون في نوازله الثانية من كتاب المديان والتفليس في المركب من الروم يُرْسِي بساحل المسلمين ومعهم الخمر للبيع وغير ذلك إن السلطان لا يجبرهم على بيعها للعشور، ولكن يوكل من يتحفظ بها حتى إذا بيعت أخذ من ثمنها العشور معارض لقوله في هذه المسألة، وقد مضى الكلام على ذلك هناك فلا معنى لِإعادته.

.مسألة الرجل يدفع إلى الرجلين المال قراضا فيختلفان في المال عند من يكون منهما:

من سماع أصبغ بن الفرج من عبد الرحمن بن القاسم من كتاب البيوع والصرف قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن الرجل يدفع إلى الرجلين المال قراضاَ فيختلفان في المال عند من يكون منهما، قال: إذا كان ذلك نظر إلى صاحب المال فَاتُّبع قولُهُ فإن حَضَرَ الاشتراءُ أَحْضَرَاهُ، قلت: فإن اختلفا في الاشتراء أو البيع وقال هذا لا أراه؟ قال: لابد لهما من أن يجتمعا ويتسالما وإلا رد المال وانسلخا منه، وليس للسلطان في هذا مَقالٌ ولا نظر، قال: وهذا في رأيي ما لم يُقْبَضْ المالُ فإذا قبض فهو إلى من دفعه ربه عند مقارضتهما إن كان دفع إليهما جميعا، وإن كان أحدهما فأحدهما وليس للآخر بعدُ كلام ولا مقال إذا كان يعلمه قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يتكلم فجمعت ذلك وتكلمنا معه فيهما.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القولُ فيها مستوفى في رسم إن أمكنتني من سماع عيسى فلا معنى لإِعادته وبالله التوفيق.

.مسألة دفع إليهما المال قراضا على غير شرط فعملا فيه جميعا ثم اختلفا:

ومن كتاب البيوع والصرف:
قال: وسألته عن الذي يدفع إلى الرجلين المال قراضا على أن لصاحب المال النصف ولأحدهما الثلث وللآخر السدس والعمل بينهما على قدر ذلك؟ قال: ليس في هذا خير، قال أصبغ: وإذا وقع فسخ ما لم يقع العمل ويفوت فإن فات بربح أو وضيعة وفراع رأيت أن ينفذ ذلك إذا لم يكن فيه اشتراط على صاحب السدس بأكثر من جُزْئِهِ من العمل، والنظرُ والكفايةُ لهما جميعا فإن كان كذلك وفات كانا على شرطهما في الأجزاء وكان للعامل فضل زيادة العمل الذي اشترط عليه بأجرة مثله.
قال محمد بن رشد: كراهيةُ ابن القاسم لمقارضته إياهما على أجزاء مختلفة هل يكون العمل بينهما على قدر أجزائهما من الربح بقوله: ليس في هذا خير، ضعيفةٌ على أصله في المدونة؛ إذ لم يراع فيها اختلافَ العاملين في النفاد في التجر والبصر به، فقال: إنه إذا قارضهما على أن يكون أحدهما بسدس الربح وللآخر الثلث إن ذلك لا يجوز؛ لأنه كأنه قال لأحدهما: اعمل مع هذا على أن لك ربح بعض عمل هذا، فالذي يأتي على تعليله في المدونة وهو الظاهر من قوله فيها أنه إذا قارضهما على أن لأحدهما ثلث الربح وللآخر السدس والعمل بينهما على قدر ذلك أن ذلك جائز؛ لأن الشركة بين العاملين على هذا جائزة، لو دفع إليهما المال قراضا على النصف من غير شرط فاشتركا همَا على العمل فيه على الثلث والثلثين على أن يكون على صاحب الثلث من العمل الثلث وعلى صاحب الثلثين الثلثان لجاز، وإنما تصح الكراهية في ذلك على مراعاة اختلاف العاملين في البصر بالتجر، وعلى ذلك يأتي اعتراض سحنون في المدونة عن ابن القاسم بقوله: أو ليس قد يجوز لصاحب المال أن يدفع المال قراضا على النصف وأقل من ذلك وأكثر؟ وهو اعتراض بين، ألا ترى أنه لو قارض أحدهما في مائة دينار على انفراد على أن يكون له ثلث الربح، وقارض الآخر في مائة على انفراد على أن يكون له ثلثا الربح فاشتركا جميعا في العمل بإذن صاحب المال دون شرط لَوجب أَلَّا يكون لواحد منهما من الربح إِلاَّ ما اشترط فيأخذ صاحب المال جميع ربح المائتين ويأخذ الذي قورض في المائة على الثلثين الثلث والذي قورض في المائة الأخرى على الثلث السدس.
فوجه الكراهية في ذلك على هذا أن العاملين لم يرض الذي هو أَبْصَرُ بالتجارة من صاحبه أن يكون له من الربح على قدر عمله إلَّا بما شرط عليه صاحب المال، فكأنه قال لِلْمُقْصِرِ في التجر منهما أعمل مع هذا على أن يكون لك من الربح مائة، وهذا القولُ أظهر، ألا ترى أنه لو دفع إليهما المال قراضا على غير شرط فعملا فيه جميعا ثم اختلفا في قسمة الربح بينهما لوجب أن يقسم بينهما على أن يكون حظه من الربح بينهما بنصفين، أو على أن يكون لأحدهما من الربح الثلث وللآخر السدس والعمل عليهما على قدر ذلك جاز على أصل ابن القاسم في المدونة، وكَرِهَهُ في هذه الرواية، فإن فات بربح أو وضيعة مضى على شرطهما، وإذا قارضهما على أن يكون لأحدهما من الربح الثلث وللآخر السدس والعمل بينهما بنصفين جاز على ما يدل عليه مذهب سحنون في اعتراضه على ابن القاسم، وهو الأظهر على ما ذكرناه، ولم يجز على مذهب ابن القاسم، قال فضل: القياس على مذهبه أن يُرَدَ العاملُ إلى قراض المثيل؛ لأنها زيادة داخلة في القراض، والصحيح عندي في القياس على مذهبه أن يُرَدَ إلى إجارة المثيل، ألا ترى أنه قال في المدونة كأنه قال لأحدهما اعمل على هذا على أن لك ربح بعض عمل هذا فما اشترط رب المال من المنفعة لأحد العاملين، فكأنه إنما يشترطها لنفسه لماله من القراض في جر النفع إليه.
يبين ذلك المسألةُ الواقعة بعد هذا في الكتاب، ومسألة المدونة إذا دفع إليه مالا على أن يجعله معه من يبصره بالتجارة.
وقولْه: فإن كان كذلك، يريد فإن كان الشرط أنَّ الربح بينهما على الثلث والثلثين والعمل عليهما بنصفين كانا على شرطهما في الأجزاء، وكان للعامل فضل زيادة العمل الذي اشترط عليه بأجرة مثله، فهو خلافُ قوله في المدونة، لأنه لم يراع الشرط، وإلّا فسد به القراض إذ جعل الربحَ بينهما على شرطهما وأرجع الذي عمل أكثر من جزئه من الربح بأجرة مثله في الزايد، فَجَعَلَ الكلامَ إِنما هو بين العاملين كالمتزارعين على الثلث والثلثين مستويان في العمل ويسلمان في العمل في مُزَارَعَتِهِمَا من كراء الأرض بما يخرج منها على ما ذهب إليه ابنُ حبيب من أنهما لا يُحَوَّلَانِ عن شرطهما، ويتعادلان فيما يخرجان، وبالله التوفيق.

.مسألة مغاررة وبيع غرر:

قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن رجل دفع إِلى رجل مالا قراضا فاشترى سلعة، ثم إن العامل قال لصاحب المال: هل لك أن أدفع إليك مالك على أن يكون فلان بمثابتك في الربح متى ما بعنا فإِن كان ربحٌ قاسمته إياه كما أقاسمك، فرضي بذلك قال: هذا حرام لا يحل. وقاله أصبغ وهو مُغَارَرَةٌ وبيع غرر، وقليل في كثير وغير ذلك من سلف جر منفعة وغيره من قبل ما يجر من الربح بما أعطى إلى من يُحِبُّ ممن يجعل في مثابة رب المال، فهو جار إلى نفسه بماله الذي عمل، فكل هذه الأوجه من الفساد والإِغْرَار وأكثُرها تدخله ويجري فيه فلا خير فيه.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله إِنَّ ذلك لا يجوز؛ لأنه عجل رأس المال لصاحبه قبل أَنْ ينض جميعُه على أن يعطي حظه من الربح لمن يريد منفعة ورفعه، فيدخله سلف جر منفعة، والربحُ أيضا غير معلوم قد يقل ويكثر فهو غرر وربا وبالله التوفيق.

.مسألة يأخذ المال قراضا على أن يرسل فيه غلمانه ومن أحب:

وسألته: عن الذي يأخذ المال قراضا على أن يُرسل فيه غِلْمَانَهُ ومن أحب ولا يخرج هو إِن شاء، قال: لا يصلح.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته.

.مسألة يقارض الرجل على أن يخرج إلى البحيرة أوالفيوم يشتري طعاما:

وسئل ابنُ القاسم: عن الذي يقارض الرجل على أن يخرج إلى البحيرة أو الفيوم يشتري طعاما، فقال: لا بأس بذلك.
قال محمد بن رشد: إلى هذا ذهب ابن حبيب في الواضحة أنه جائز ما لم يشترط عليه جلبَ ما اشترى هناك من السلع إلى هلم، أو يسمى له سلعا يشتريها هنالك ويأتي بها، أو يحمل من هنا إلى هنالك سلعا يبيعها ثَمَّ فيكون فيه أجيرا؛ لأنه رسول بأجرة غرر، وهو كله خلافُ ما في المدونة؛ لأنه لم يُجِز فيها أن يدفع الرجل إلى الرجل مالا قراضا على أن يخرج به إلى بلد من البلدان يشتري به تجارة؛ لأنه قد حَجَّرَ عليه أَلَّا يشتري حتى يبلغ ذلك البلد، وروى الحارث عن ابن وهب أن مالكا سئل عن رجل يقال له: أخرج إلى مالي في موضع كذا فاعمل به قراضا، قال: لا خيرَ فيه لِموضع قوله أخرج، وكأنه رآه من وجه المنفعة.
قال: وسمعت مالكا وسئل عن الرجل يكون بالمدينة وهو من أهل مصر، فسأل الرجل بالمدينة أن يعطيه مالا قراضا يبتاع به متاعا بالمدينة ويخرج به إلى مصر ويبيعه ويدفع إليه رأس ماله وما يصيبه من الربح في نصيبه إلى وكيله بالفسطاط، قال مالك: لا بأس بذلك فرُوجع في ذلك وقيل له: إِنما أعطاه المال على أن يبتاع به ويخرج إلى مصر أَلَا تراه شرطا؟ قال: هذا لا بأس به هي بلده وإليها يخرج.
وروى ابن أبي أويس عن مالك مثلَه، وقول مالك هذا في رواية ابن وهب وابن أبي زيد وابن أبي أويس ليس بخلاف لما في المدونة، والحجة في جواز ذلك جعل عمر بن الخطاب المال الذي دفعه أبو موسى الأشعري إلى عبد الله وعبيد الله ليبتاعا به متاعا بالعراق ويبيعانه بالمدينة قراضا بإِشارة مَنْ أشار عليه بذلك من جُلسائه وبالله التوفيق.

.مسألة أخذ من رجل تسعة عشر دينارا قراضا فربح فيها دينارا أفيها الزكاة:

ومن كتاب الزكاة والصيام:
وسئل أشهب: عن رجل أخذ من رجل تسعة عشر دينارا قراضا فربح فيها دينارا فصارت عشرين أفيها الزكاة؟ قال: إن كانا لم يكونا تقاسما قبل الحول ففيها نصف دينار يزكي التسعةَ عشر دينارا رُبُعُ عشرها، ويدفع بقيتها إلى ربها ويزكي الدينار رُيُعُ عشره، ثم يقتسمان ما بقي بينهما على قراضهما، وقاله أصبغ، وقال ابن القاسم جملة: إِنَّ فيها الزكاة.
قال محمد بن رشد: قول أشهب وأصبغ: إِن العامل يجب عليه في ربحه الزكاة مع جملة المال إذا كان في جميعه بحظ العامل ما تجب فيه الزكاة، هو مثلُ ما مضى من قول مالك في رسم الزكاة من سماع أشهب، وهو مذهب سحنون، خلافُ المشهور من قول ابن القاسم وروايته عن مالك أن العامل لا يجب عليه في حظه من الربح زكاة حتى يكون في رأس مال رب المال وحصته من الربح ما تجب فيه الزكاة.
وأما اشتراطهما في ذلك إِن لم يكونا تقاسما قبل الحول فهو مثلُ ما في كتاب الزكاة من المدونة أن العامل لا يجب عليه في حظه من الربح زكاةَ حَتَّى يَمرَّ الحولُ عليه من يوم يدفع المال إليه، وإن لم يعمل به إِلَّا قبل أن يحول عليه الحول بيسير، خلافُ ظاهر ما في كتاب القراض منها أن الزكاة تجب عليه في حظه من الربح، وإن لم يحل الحول عليه من يوم دفع إليه إذا كان قد حال الحول على رأس مال رب المال وربحه من يوم أفاد أو زكاة، وهو ظاهرُ قول ابن القاسم في هذه الرواية، وظاهرُ قوله فيها أيضا أن الزكاة تجب عليه في حظه من الربح إذا كان في جملة المال بربحه كله ما تجب فيه الزكاة خلاف المشهور من قوله وروايته عن مالك مثل قول أشهب، وروايته عن مالك ومثل قول سحنون وأصبغ وبالله التوفيق.

.مسألة يدفع إلى الرجل مالا قراضا على أن الثلث لرب المال وللعامل الثلثان:

من نوازل سئل عنها أصبغ بن الفرج قال: سئل أصبغُ عن الرجل يدفع إلى الرجل مالا قراضا على أنَّ الثلث لرب المال وللعامل الثلثان فيقول العامل بعد القبض والِإشهاد أنا خارجٌ أَكْتَرِي دابة وأخرج، فيقول رب المال: أنا أكري منك دابة على أن تعطني نصف ربحك وهو الثلث، فيكون لي من الربح الثلثان، ويكون لك الثلث، فيقول: نعم فيعمل على ذلك فيربح أو يخسر، مالذي يكون للعامل أو لرب المال.
قال أصبغ: أرى أن ينظر إِلَى أمر الدابة وركوبها، فإن كان أمرُها يسيرا ليس بزيادة لها بال إلى سفر من الأسفار كثيرا، أو كثير المؤنة وبال مما لو اشترطها بَدْءا عند أصل القراض لجاز لخفة ذلك ويسارتِه، فأرى القراض صحيحا، وأرى لرب الدابة شرطه وأراه كفاسخٍ القراضَ الأول، فيقارضه ثانية بزيادة في الشرط؛ لأنه لم يعمل ولم يخرج، وقد كان لرب المال استرجاع ماله على هذا، فهو كقراض مستأنف له كما لو لم يكن بينهما ذكر دابة ولا كراء، فيقارضه على الثلث فلم يخرج حتى بَدَا لرب المال فاستغل ذلك فرجع إليه فسأله أن يزيده في الشرط ويأخذه على النصف أو يرده، ففعل كان ذلك جائزا، وكان ذلك له ولم يكن به بأس، وحمل أمرهما على الأمر الثاني، فكذلك هذا في مسألتك إذا كان أمر الدابة خفيفا مما قد كان يجوز اشتراط مثلها مع القراض ونحوها بمثلها، فإن كان على غير ذلك وكان لها بال وزيادة بينة في القراض وعون كبير يسافر عليها إلى مصرٍ من الأمصار ويحمل عليها الأمر الغليظ الذي يكف غيره من الأكرية ويكون زيادة بينة كبيرة فالقراض فيها فاسد ولو ابْتُدِئ، فكذلك في عاقب مسألتك حين أراد الخروج فجعله له بتلك الزيادة بالشرط وبما يخرج ويستوجب العمل والقراض فهو كالاِبتداء به، وهو فاسد عندي وينقض ما لم يفت، فإن فات بالعمل فهو أجير على قول ابن القاسم في الزيادة إنه بها أجير ويذكره زَعَمَ عن مالك، والربح والنقصان لرب المال، وعليه للعامل إجارة مثله كالرسول والأجير.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إِن القراض ليس بإجارَة تلزم بالقول، وهو يشبه في بعض حالاته الجُعل ويفارقه في أكثر أحواله، فله حكم على حياله يشبه المساقي إلا أنه لا يلزم بالعقد ولا بالقبض، وكل واحد منهما بالخيار ما لم يُشْغَلْ المالُ أو بعضه أو يسافر به، فإن شغله لم يكن له أن يرده ولا كان لرب المال أن يسترده حتى ينض، وكذلك إن سافر به لم يكن له أن يرده في غير البلد الذي أخذه فيه ولا لرب المال أن يأخذه منه بعد أن شخص به، فإذا كانا بالخيار وإن تشاهَدَا على القراض بجزء اتفقا عليه، فجائز أن يتفاسخاه إلَى قراض آخر يبتدئانه على ما يجوز فيه من الشروط وبالله التوفيق.

.مسألة الزكاة لا تجب عليه في ربحه حتى يحول عليه الحول من يوم قبضه:

وسألته: عن المقارض يعمل بالمال منه فيفاصِل صاحبَه ويقتضي حصته من الربح وله مال لا يحمل في مثله الزكاة وقد حال عليه الحول إِلَّا أنه إذا جمع إلى ما ربح في القراض صار ما تجب فيه الزكاة، هل يضمه إلى ربح هذا القراض فيزكيه معه؟ أم يجعل ربح هذا القراض كالفائدة، وإن كان قد أخرج زكاته فيضمه إلى ماله الذي كان في يديه ويستقبل حولا.؟ قال أصبغ: قد أسقطت المأحذ في مسألتك وحجتك، أما تعلم أَنَّ المقارَض الذي ذكرتَ يصير له بعد الحول في ربحه لا ما يجب فيه الزكاة أنه يزكيه وإِن لم يكن مالا، وهذا قول مالك في موطإِه وغيره كثير من قوله وروايةُ أصحابه واجتماعُهم عليه وقولهم به أصلا من أصله وأصولهم، فأين يدخل إن كان له مال؟ هذا ليس بشيء في سؤالك، هذا خطأ والزكاة عليه فيما أصاب بعد أن يكون قد حال المال بيده كما استثنى مالك ما قل منه أو كثر، فلما كان هذا هكذا وَاجِبا لم يكن ذلك مالا يضيفه إلى فائدة إن كانت عنده لم يجب فيها شيء ولا غيره مما يعيد عند ذلك فافهم إن شاء الله.
قال محمد بن رشد: قد تكررت هذه المسألة في نوازل أصبغ من كتاب زكاة العين، وهي ها هنا أكْمَلُ وأبينُ، ومرادُ أصبغ في الموضعين جميعا أن المقارَض لا يضم مالَه من مال قد حال عليه الحول ولا يبلغ ما تجب فيه الزكاة إلى ما ربح في القراض فيزكيه مكانه إن كان يبلغ بإضافته إليه ما تجب فيه الزكاة، وإن كان قد زكى الربح، ولكنه يضيفه إليه ويستقبل به حولا من أجل أن الربح وإن كان قد زكاه فلم يزكه على ملكه وإنما زكاه على ملك رب المال بدليل أنه يزكيه وإِن لم يبلغ ما تجب فيه الزكاة، ولم يذكر في السؤال الحجة التي احتج بها عليه السائل في أنْ يضيف ماله من مال قد حال عليه الحول ولا تجب فيه الزكاة إِلى ربح القراض الذي زكاه فيزكيه مكانه إِنْ كان يبلغ بإضافته إليه ما تجب فيه الزكاة، فَضعَّفَهَا هو وقال له: قد أسقطت المأخذ في مسألتك وحجتك، فيحتمل أن يكون احتج عليه بأن ربح العامل مزكي على ملكه لا على ملك رب المال بقول مالك وابن القاسم: إن الزكاة لا تجب عليه في ربحه حتى يحول عليه الحول من يوم قبضه، فأسقط هو حجته عنده التي احتج بها عليه بأنه لو كان الربحُ الواجبُ له في القراض مزكى على ملكه لما وجب عليه فيه الزكاة وإن كان قد حال عليه الحول من يوم قبضه إِلَّا أنْ يبلغ ما تجب فيه الزكاة، ولعمري إِن الحجة لكل واحد منهما على صاحبه فيما احتج به عليه لازمة له إذا لم يكن حظه من الربح مزكى على ملكه ولا أعتبر فيه النصاب، فيلزم أَلاَّ يعتبر فيه الحول، وهو ظاهر ما في كتاب القراض من المدونة أن المقارض يجب عليه في حظه من الربح الزكاة وإِن لم يقم المالُ بيده حولا إذا كان في رأس مال رب المال وحصته من الربح ما تجب فيه الزكاة، ولأنه أيضا إِنْ قلت: إِنَّ حظه من الربح مزكى على ملكه ولذلك اعتبرتَ الحول في حقه من يوم قبض المال وصار في يده، فيلزم أن يعتبر فيه النصاب وأَلاَّ تجب عليه فيه الزكاةُ إِلَّا أن يبلغ ما تجب فيه، وهذا القول تأوله محمد بن المواز على ابن القاسم ولا يُوجِدُ له نصا، فالمسألة على كل حال غير راجعة إلى أصل ولا جارية على قياس إذ لم يعتبر في ذلك ملك أحدهما دون صاحبه على انفراد في النصاب والحول كما اشترط فيها الحرية والإِسلام وعدم الدّين ولا ملكهما جميعا في ذلك أيضا، كما اشترط فيهما الحرية والإِسلام وعدم الدين، وقد مضى القولُ على هذا المعنى في رسم أوله مسائل بيوع من سماع أشهب وبالله التوفيق.

.مسألة تمر الحائط المساقي إذا بلغ بجملته ما تجب فيه الزكاة:

قيل له: فالمساقي يصير في حصته من الثمن وَسْقَانِ يجذ من نخل له ثلاثة أوسق هل يضم جميع ذلك فيزكيه أم لا زكاة عليه إلا في الوسقين؟ قال أصبغ: وهذه أيضا كنت تستدل عليها بمسألة المساقي الذي لا تمر له سواه، تخرج مساقاتُه خمسة أوسق فإنما يصير له بعضها أن عليه أن يزكي ما صار له ولا يسقط الزكاة حين فرضت في الجميع بخمسة أوسق ووجبت كما وجبت في القراض الزكاة عليهما جميعا إذا كان عشرون فصاعدا، فهذه وتلك سواءٌ، على العامل أن يزكي ما كان له واجبا، فلما كان ذلك عليه لم يضف إلى غيره مما لم تجب وكان هذا بزكاته وسنته وهذا بسنته.
قال محمد بن رشد: أما المساقاة فلا اختلاف أحفظه في أن زكاة ثمرتها كلها حظ المساقي وحظ رب الحائط مزكاة على ملك رب الحائط لا على ملك العامل، فلا تعتبر شرائط وجوب الزكاة من الحرية والِإسلام والنصاب إلا في حق رب الحائط لا في حق العامل، فالزكاةُ واجبة في تمر الحائط المساقي إذا بلغ بِجُمْلته ما تجب فيه الزكاة أو لم يبلغ بجملته ما تجب فيه الزكاة إلا أن لرب الحائط حائطا غيره فيه من التمر ما إذا أضافه إلى تمر حائط المساقاة وجبت فيه الزكاة إذا كان حرا مسلما، وإن كان العامل في الحائط عبدا أو نصرانيا.
وإن جَذَّ المساقي من نخل له ثلاثة أوسق أو أربعة أوسق فلا تجب عليه فيها الزكاة، وإن كان قد صار له في حظه من تمر المساقاة ما إذا أضافه إليها وجبت فيها الزكاة، كان قد زكى ببلوغ تمر الحائط ما تجب فيه الزكاة أو لم يزك؛ لأنه إن كان زكى فإنما زكى على ملك رب الحائط لا على ملكه، وهذا ما لا اختلاف فيه، فكان وجه القياس أن يرد ما اختلف فيه من زكاة حظ العامل من ربح القراض إلى ما اتفق عليه من زكاة حظ العامل من تمر المساقاة ولكنهم لَمْ يَقُولُوا ذلك فانظر فيه وبالله التوفيق.

.مسألة العامل في المزارعة شريك:

قلت: فالمزارع إذا زارع على النصف والثلث أو الربع أو الخمس إذا صار في سهمه مَا لَا تجب فيه الزكاة غيرَ أنه إذا جمع الجميع وجبت فيه الزكاة؟ فقال: هو مثل هذا.
قال محمد بن رشد: مسألة المزارع هذه مخالفة للأصول وليست كالمساقاة؛ لأن العامل في المزارعة شريك، ومن قول مالك وجميع أصحابه أنه لا زكاة عليه حتى يبلغ حظه ما تجب فيه الزكاة، لا اختلاف بينهم في ذلك.
والمسألة مضروب عليها في كتاب أحمد، وذكر أنها لم تصح لأبي صالح، ويحتمل أن يريد أن المزارع كالمساقي في أنه إذا رفع من زرعه الذي بينه وبين شريكه ما لا تجب فيه الزكاة ولو زرع على انفراد لا تجب فيه إلا أنه إذا أضافه إلى ما رفع مع شريكه وجبت فيه الزكاة أنه لا زكاة عليه فيه، فتصح المسألة على هذا التأويل وإن كان فيه بعدٌ؛ لأن هذا الوجه يستوي فيه المزارع والمساقي وبالله التوفيق.

.مسألة الربح والوضيعة على الربع والثلاثة أرباع:

قيل لأصبغ: أرأيت الرجل يبعث إلى الرجل بمائة دينار يشتري له بها طعاما على أن نصف الربح لرب المال والنصف فيما بينه وبين العامل وشرطا أنَّ ما كان فيه من وضيعة فعلى العامل ربعُ الوضيعة، كيف العمل إن جاء ربح أو وضيعة؟ قال أصبغ: أراه كالسلف وأراه سلفا لرب المال وأرى الربح والوضيعة على الربع والثلاثة أرباع، والعامل إجارة مثله في كفاية الثلاثة أرباع وعنايته والقيام فيها في الاشتراء والبيع.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه لما شرط أن له ربح ربع المال وعليه وضيعة حَكِمَ له بحكم السلف إذ هذا وجه من وجوه أحكامه، فحمله عليه وصار كأنه أسلفه ربع المال على أن يشتري له طعاما بثلاثة أرباعه ويبيعه له فوجب أن يكون ضامنا لرُبع المال في ذمته، ويكون له إجارة مثله في شرائه الطعام بثلاثة أرباعه وبيعه، ولو عُثِرَ على هذا قبل الشراء لفسخ الأمر بينهما وقبض ماله، ولو لم يعثر عليه إلَّا بعد أن اشترى الطعام وقبل أنْ يبيعه لوجب أن يُقاسِمه الطعامَ فيأخذ ثلاثة أرباعه ويعطيه أُجرةَ مثله في ابتياعه، ويأخذ منه ربع المائة دينار يتبعه بذلك دينا ثابتا في ذمته، يُباع عليه فيها حصته من الطعام، وما سوى ذلك من ماله وبالله التوفيق.

.مسألة اشترى جارية من مال القراض فوطئها فحملت فقال اشتريتها للقراض:

من سماع أبي زيد بن أبي الغمر من ابن القاسم قال أبو زيد: قال ابن القاسم في رجل اشترى جارية من مال القراض فوطئها فحملت، فقال: اشتريتها للقراض، قال: لا لأنه يتهم أن يكون أراد بيع أم ولده، قيل له: فإن أتى على ذلك بشاهدين أنه اشتراها للقراض؟ قال: تباع.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم لا قسامة في العبيد من سماع ابن القاسم وفي رسم جاع فباع امرأته من سماع عيسى، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك وبالله التوفيق.

.مسألة يأخذ الخمسين متاعه من صاحب المال إن كان قد أشهد على المقارض:

وقال ابن القاسم في رجل دفع إلى رجل مائة دينار قراضا فخسر فيها خمسين، فأتى إلى أخ له فأخبره بما خسر وقال: إني أحب أن تسلفني خمسين دينارا حتى أريها صاحبي فتطيب نفسه، فإذا رآها أعطيتُك مالك فلما دفع احتبَس صاحبُ المال مالَه أترى إن قام بخمسين على صاحب المال أن يأخذها، فقال: نعم إذا كان قد أشهد على ذلك وأخبر بما خسر.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إن له أن يأخذ الخمسين متاعه من صاحب المال إن كان قد أشهد على المقارض بما ذكر من أنه خسر في المال، وأنه دفعها إليه على الوجه الذي ذكره، وذلك إذا كان ما ادعاه من خسارة الخمسين يشبه، ويكون القول قوله في ذلك مع يمينه ولو لم يشبه قوله أو نكل عن اليمين أو لم يُعرف قوله إلا بإقراره به على نفسه بعد دفع المال لم يكن لصاحبه إليه سبيل إلا أن يعرف المال بعينه أنه له ببينة عدلة لم تفارقه وبالله التوفيق.

.مسألة شرط خلط مال القراض بغيره:

وعن رجل دفع إلى رجل ألف دينار فأخرج الرجل من عنده مائة فكان صاحب المائة هو الذي عمل في المَال، والربح بينهما، فكانا يتحاسبان كل سنة فيتقسمان ذلك، ثم إنه خسر في آخر ذلك، قال: يرد ما ربح من أول ثم يقتسمان الربح على عدة المال ويكون للعامل صاحب المائة أجرة عمله في الألف.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أنه دفع إليه ألف دينار على أن يضيف إليها مائة من ماله ويعمل بها ويكون الربح بينهما بنصفين فَرآهُ قراضا فاسدا رَدَّهُمَا فيه إلى إجارة المثل، ولذلك قال في الجواب يرد ما ربح من أول ثم يقتسمان الربح على عدة المال ويكون للعامل صاحب المائة أجرة عمله، والفساد في ذلك إنما هو بما وقع فيه من شرطِ خَلْطِ مال القراض إلى ماله لا بما شرط عليه من أن يكون له نصف ربح الجميع؛ لأن ذلك يرجع إلى جزء معلوم كَأَنّهُ دفع إليه ألفه قراضا على أن يكون له من الربح خمسة أعشاره ونصف عشره، وذلك خلافُ مذهبه في المدونة؛ لأن الذي يأتي على مذهبه فيها في شرط خلط مال القراض بغيره أن يُرَدَّ العاملُ فيه إلى قراض مثله وهو قول ابن حبيب؛ لأنها منفعة داخلة في المال غير خارجة عنه ولا منفصلة منه.
وقد قيل: إن ذلك يكره فان وقع مضى، وهو قول أصبغ وروايتُه عن ابن القاسم، وقيل: يجوز ابتداء وهو قول أشهب.
فالذي يأتي في هذه المسألة على مذهب ابن القاسم في المدونة أَنْ يُرَدّ العاملُ إلى قراض مثله في الألف للأعوام كلها، وتجبر الخسارة في العام الآخِر من ربح الأعوام المتقدمة كما قال، إلّا أن يكون كلما حاسبه وقبض حصته من الربح قال له: اعمل بما في يدك قراضا مُؤْتَنَفا فلا يجبر ما خسر بعد ذلك من الربح المتقدم على ما حكى ابن حبيب في الواضحة عن مطرف وابن الماجشون وغيرهما من أصحاب مالكٍ إلّا ابن القاسم، وأما على مذهب ابن القاسم في المدونة فهما على القراض من أول ما دفعه إليه، وإن حاسبه في كل سنة وقبض حصته من الربح، وقال له: اعمل في يديك قراضا مؤتَنفا، وكذلك على مذهبه الذي قد نص عليه، وإن أحضر المالَ ما لم يدفعه إليه ثم يرده عليه على قراض مؤتنف، وقد قيل: إنهما على القراض الأول إذا رده إليه في الحين حتى يطول الأمر ويبرأ من التهمة، وقد مضى هذا المعنى في سماع سحنون وبالله التوفيق.